اللإلكترونيك électronique
تُعرف الإلكترونيات بأنها العلم الذي يتحكم في سلوك الإلكترونات، ويجعلها تؤدي عملا نافعا؛ وبالتالي أصبحت جُزءاً هاما من حياتنا اليومية؛ وبمساعدتها وصل الانسان إلى أقصى حدود الكون، وإلى أماكن لم يكن يحلم بالوصول إليها؛ وانتشرت المعرفة والثقافة، وقَرُبت المسافات، وخَفّت أعباء الانسان.
في هذه السلسلة الأولى، والسلاسل المقبلة إن شاء الله تعالى، سنحاول قدر المُستطاع تبسيطها وتقريبها في أحسن صورة ممكنة؛ خاصة عندما لاحظت أن بعض الكتب أو المواقع أو الفيديوهات، بدلا أن تعمل على تبسيط دروس الإلكترونيات فهي مع الأسف تزيد من تعقيدها، مما يسبب نفورنا منها، وشعورنا بإحباط لا مثيل له يجعلنا نَمَلُّ ونهرب.
وحتى لا أطيل عليكم أصدقائي الأعزاء وكما جرت عادتي معكم دائما، سأبدأ من أول بَصيص من علم اللإلكترونيات، إلى غاية التطور المذهل الذي حصل في عصرنا هذا عصر الآلة.
1) نُبذة تاريخيَّة حول تطور المكونات الإلكترونية
أ) قارورة لَيْدْ
بِتتبُّعي لتاريخ عالم الإلكترونيك العجيب، وجدت أن أول عنصر كهربائي خرج إلى دنيا الاختراعات سنة 1745م ، هو القارورة الزجاجية التي يطلق عليها اسم زجاجة لَيْدْ او لَيْدِنْ ( وهي من أقدم أنواع المكثفات)؛ نسبة إلى صاحبها السيد بِيتِرْ فَانْ مُوشِنْ بْرُوكْ (Piéter Van Musschenbroek 1692-1761 )؛ هو عالم هولندي أستاذا بجامعة لَيدن الشكل(1).
تتركب زجاجة لَيْدْ من قارورة زجاجية رقيقة الجدار وقد غطى سطح جدارها من الخارج والداخل، بورق القصدير إلى نحو 6 سنتميترات من رقبتها، ويسمى الغشاء القصديري الداخلي باسم (اللَّبُوس الداخلي للزجاجة)، وكما يسمى الثاني باسم (اللَّبوس الخارجي للزجاجة).
وللقارورة سَداد من الخشب ينفذ من وسطه قضيب من النحاس الأصفر، ينتهي من أعلى بِكُرة صغيرة من النحاس وتَتصل بطرفه الأسفل سلسلة من نفس مادة النحاس، يكفي طولها أن تُلامس اللّبوس الداخلي المُغطى لقاع القارورة أيضا.
وتُشحن زجاجة لَيْدْ بنفس الطريقة التي تشحن بها سائر المكثفات اليوم، وذلك بأن يوصل أحد لَبوسَيها بالأرض، بينما يوصل الآخر بمصدر الشحنة الكهربية؛ وقد جرت العادة عند شحن الزجاجة أن تُمسك باليد لكي تلمس اليد لبُوسها الخارجي الذي يُمثل الأرضي أو ( القطب السالب)، ثم تُقرب كرتها النحاسية من كرة آلة الشحن الكهربي، إلى أن يتم شحن لبوسها الداخلي (بشحنة موجبة) الشكل(1).
ويُفسر شحن الزجاجة بأن اللَّبوس الداخلي فيها، يقوم مقام الموصل المعزول في المكثف العادي، واللّبوس الخارجي مقام الموصل المتصل بالأرض، بينما يقوم الجدار الزجاجي للقارورة مقام العازل بين الوصلين.
ب) بطارية فولتا
ج) الصمام الثنائي المُفرغ من الهواء Diode à vide
أما العنصر الثالث فيعتبر قنبلة انفجرت لتعطي وِلادة جديدة لِما يُسمى اليوم بعالم الإلكترونيك، ألا وهو الصمام الثنائي المُفرغ من الهواء؛ والذي اخترعه مهندس الكهرباء وعالم الفيزيائي الإنجليزي، السيد جُون أَمْبروزْ فِلِيمِنغْ (John Ambrose Fleming 1849-1945) عام 1904م الشكل(3).
وطريقة عمله تعتمد بالأساس على ما يُعرف بانتزاع الإلكترونات من المادة، بواسطة المفعول الحراري الإلكتروني Effet Thermoélectronique وكما توضح الصورة بالشكل(4)، أن الصمام يتكون من ثلاث عناصر أساسية:
- حُبابة زجاجية مُفرغة من الهواء Ampoule
- سُليك (F) Filament
- صفيحة أسطوانية (P) Plaque Cylindrique
كيف يحدث هذا يا ترى!.. يبدو الأمر بسيطا اليوم، فبتفقدنا للشكل(5) نرى دائرة كهربائية تمثل عمل الصمام الثنائي المُفرغ، والتي تتكون من دارتين:
- دارة تسخين السُليك F
- دارة الصفيحة P، وتحتوي على الصمام الثنائي، والأمبير ميتر A، وقاطع التيار J، ومولد G يُوصَل قطبه الموجب (+) بالصفيحة P.
عند إغلاق قاطع التيار J فقط، لا نلاحظ حدوث أي شيء لماذا؟.. لأن وبكل بساطة الصمام المُفرغ هنا يتصرف كقاطع للدائرة الكهربائية؛ لكن عند إغلاقنا لقاطعين J و K معا، نلاحظ أن إبرة الأمبير ميتر تنحرف مثلا جهة اليمين .. إذن ماذا يعني هذا؟.
تفسير:
قبل أن نشرع في شرح ما يحدث، سننتقل قليلا إلى الفيزياء .. ربما عزيزي القارئ مرَّ بك وأنت تدرس بالمدارس الثانوية العلمية، وفي فصل من فصول الفيزياء؛ أن من خاصيات الفِلزات كالنحاس والألمنيوم، أن بعض الإلكترونات تنفصل عن الذرات لتصير إلكترونات حرّة، وتنتقل بين الأيونات التي تتكون تبعا لذلك (لمزيد من المعلومات يمكننك أن تنتقل إلى قسم الكهرباء بهذه المدونة).
وتزداد حركة هذه الإلكترونات بارتفاع درجة الحرارة، إلى حد أن -لما ترتفع هذه الأخيرة بما فيه الكفاية حوالي 800-1000 درجة مئوية- بعض الإلكترونات تفارق الفلز؛ وتسمى هذه الظاهرة كما أشرنا سابقا المفعول الحراري الإلكتروني.
وهذا ما يحدث بالضبط في الدائرة الشكل(5) عندما نقفل القاطع K يسخن السُليك F رُويداً رويداً، إلى أن يصل درجة الاحمرار (1000 درجة مئوية)؛ وفي هذه النقطة بالضبط يتم تحرير عدد ضخم من الإلكترونات الحرة، وفي نفس اللحظة التي يكون فيها القاطع J مُغلقاً، ويكون القطب الموجب للبطارية مُتصلا بالصفيحة P حيث تصير شحنتها موجبة؛ وبما أن الإلكترونات سالبة الشحنة فيتم جذبها من طرف القطب الموجب للصفيحة P؛ وهكذا تصبح الدارة مغلقة وموصلة للتيار الكهربائي بفضل تدفق كم هائل من الإلكترونات.
د) الصمام الثلاثي المُفرغ Triode Electronique
يُعتبر من أعجب الاكتشافات الحديثة، إذ عليه اعتمد معظم العلماء في صناعة جهاز الراديو، والتلفاز، والهاتف؛ ويرجع الفضل إلى المخترع الأمريكي السيد لِي دِي فُورِسْتْ (Lee de Forest 1873-1961) الذي اخترعه سنة 1907م الشكل(6).
وطريقة تصميمه تشبه إلى حد ما الصمام الثنائي المفرغ، ولكنه يختلف عنه لكونه يحمل عنصرا ثالثا لهذا أُطلق عليه اسم (تْرِيُودْ)؛ وهو يشبه تماما الترانزستور الذي نعرفه اليوم من حيث الاستعمال؛ فيمكنه أن يقوم بتكبير التيارات الضعيفة إلى تيارات قوية، أو يُستعمل كمفتاح إيقاف/تشغيل.
يتكون الصمام الثلاثي المفرغ من انتفاخ زجاجي مفرغ من الهواء يشبه في شكله المصباح الكهربي المستطيل الشكل، ويوجد بداخل الانتفاخ سلك رفيع يطلق عليه اسم (فَتِيل)؛ ويحيط بهذا الأخير صفيحة ويطلق عليها أحيانا اسم (لَوح)؛ ويوجد بين الصفيحة والفتيل سلك معدني ملفوف أو على شكل شبكة يطلق عليه اسم (شبكة) الشكل(7).
طريقة عمله:
عند قفل دائرة الفتيل تنطلق منه ملايين من الإلكترونات، فإذا كانت الشبكة متصلة بجهد سالب فإن الإلكترونات تتنافر من الشبكة وتبقى محجوزة بين الشبكة والفتيل، فلا تصل إلى الصفحة وبالتالي تبقى الدائرة مفتوحة، وقيمة الأمبير متر تساوي صفر كما نوضح بالشكل(8).
أما إذا كانت الشبكة موجبة الجهد فإنها تجذب الإلكترونات نحوها، وتمر خلالها وتصل إلى الصفيحة المعدنية، وبهذا تقفل الدائرة ويمر التيار الكهربائي الشكل(9).
ملاحظة:
لقد تم إلغاء العمل بالصمامات المفرغة من الهواء من مختلف الأجهزة الإلكترونية؛ حتى حدود بداية الثمانينات القرن العشرين لكونها مكلفة جدا ومستهلكة للطاقة بشكل جنوني!.. لكنها مازالت تُستعمل حتى الآن، في شكل ضيق ومحسور فقط حول الأجهزة التي تعمل على تضخيم الإشارات الصوتية للقتار الكهربائي مثلا.
أيها القُراء الأعزاء لقد استعرضنا معكم لمحة موجزة وخاطفة، حول أهم العناصر التي تم اختراعها خلال ثلاث قرون الماضية، الثامن عشر، وتاسع عشر، والقرن العشرين .. وفي السلاسل (كيف نتعلّم) المقبلة إن شاء الله تعالى، سنُبحر معا في هذا العالم العجيب والممتع؛ إلى اللقاء ..
تأليف: محمد بلحاج تقني
مراجع:
- الطبيعة التّوجيهية المغنطيسية والكهربية .. أحمد أمين إبراهيم وفهمي جرجس 1952م
- Le Transistor Mais C'est Très Simple … Eugène Ais Berg 1975
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق