الأربعاء، 16 فبراير 2022

سلسلة أنت والعِلم 2 التيار الكهربائي le courant électrique

سلسلة أنت والعلم 2 التيار الكهربائي



 
التيار الكهربائي

في أواخر القرن الثامن عشر، انكب العلماء على ايجاد طرق فعالة من شأنها جعل الكهرباء مفيدة في حياتنا اليومية؛ وبعدما اكتشفوا أن الشحنات الكهربائية بها قوة رهيبة، فكروا في طريقة مُبتكرة لجعلها تتحرك في نظام متسلسل.


1) أول ظهور للكهرباء التيارية électricité dynamique. 

كما رأينا في العدد الأول من (سلسلة أنت والعلم1 ولادة الكهرباء)؛ أنه في القرن السادس قبل الميلاد، اندهش الرياضيُّ والفيلسوف طاليس دوميليت أمام التجاذب الحاصل بين الأجسام الصغيرة والكهرمان المحكوك.

هذه الظاهرة جعلت الكهرباء تأخذ مكانها في تاريخ العلوم؛ وفي القرن السادس عشر الميلادي قام  الإنجليزي جيلبيرت بالدراسات الدقيقة الأولى لهذه الظواهر؛ مستعملا مفهومي الموصل والعازل وهذا كله ينطبق فقط على الكهرباء الساكنة.

أما فيما يخص الكهرباء التيارية والتي سندرسها في هذا العدد وفي الأعداد القادمة إن شاء الله تعالى، كانت من نصيب أليساندرو فولطا حيث اعتمد في سنة 1793م، على أبحاث لِويكي كالْفاني حول التفريغ الكهربائيّ على الضفدعة عندما كان يقوم بتشريحها (للمزيد من المعلومات:هنا)  .

فلاحظ هذا الأخير أنه عند لمس رجل الضفدعة بالمشرط يراها ترتعد؛ فدهش لذلك وقام بعدة تجارب منها أنه أتى بساق مُنْثنيه من المعدنين مختلفين، ولمس بأحد طرفيها عَصباً من أعصاب الضفدعة، ولمس بالطرف الآخر عضلا من عضلات ساقها فارتعدت الساق ارتعادا عنيفا.

ولكن كالْفاني اعتقد في النهاية، أن الارتعاد ناشئ مما نسميه الآن الكهربية الحيوانية التي نشاهدها في بعض الأسماك.

وقد كان في عهد كالْفاني عالم طبيعي كبير هو فولتا، فكر في أبحاث كالْفاني عن ارتعاد الضفدعة، ورأى بثاقب نظره وبتجاربه أن هذا الأخير غير محق في آرائه واعترض عليه مُبينا أن عصب الضفدعة ليس هو الأساس في ارتعاد رجلها.

وذكر أن الأساس في تجربة الضفدعة، هو في وجود معدنين مختلفين وبينهما سائل كيميائي كالسائل الذي يرطب جسم الضفدعة ويحفظها من التلف والتعفن.

فبمجرد وضع المعدنين المختلفين في السائل؛ يتكون بينهما فرق جهد كهربي ينتج عنه مرور الشحنات الكهربية خلال جسم الضفدعة، وتتحرك الشحنات الكهربية بسبب ما يُعرف باسم التيار الكهربائي، واستنتج فولتا من تجاربه أنه ليس من الضروري وجود رِجل الضفدعة لتكْوين هذا التيار؛ وقد نجح فولتا في تكوين ما يُعرف باسم عمود فولتا سنة 1799م الشكل(1) ومنه نشأ العمود البسيط.
     

صورة للعالم أَلِيساندرو فولطا




وقد ذاعت تجارب فولتا في جميع نواحي العالم، وكرمه نابليون في باريس سنة 1801م؛ وقد كانت أبحاث فولتا فاتحة عهد جديد في الكهرباء المتحركة.

أ⁃ من ماذا يتركب عمود فولتا؟

يتركب كما كونه فولتا من أقراص من الزنك وأخرى من النحاس، ووضع بين كل قرصين من النحاس والزنك قرصا من الورق أو القماش المبلل بالماء غير النقي، أو المُذاب فيه بعض الملح؛ وذلك بوضع حلقة قماشية مبللة بماء حامضي بين قرصين، أحدهما من زنك والآخر من نحاس؛ أطلق اسم العمود على مجموعة هذه الأزواج المتراصة بعضها فوق بعض الشكل(2).


صورة توضيحية لعمود فولطا




وتبين لفولتا أنه إذا لمس طرفي العمود بيديه شعر بهزة خفيفة ولكنها مستمرة مع استمرار لمس طرفيها بيديه؛ وكلما زاد عدد صفائح الزنك، والنحاس، والقماش المبلول بملح أو حامض؛ زاد معه فرق الجهد الذي يتراوح بين 9-20 فولت وتيار حوالي 15-25 ملي أمبير.

اعتقد العلماء ومن بينهم فولتا أن الإلكترونات تسري من  الطرف الموجب لعمود فولتا إلى طرفه السالب الشكل(3).




منحى اتجاه التيار الكهربائي في عمود فولطا



  
ووضعت قواعد عَمليَّة تطبيقا لهذا المفهوم؛ لذا تظلُّ تبين اتجاه التيار هكذا، ومن هنا جاءت تسمية بالتيار الاصطلاحيّ؛ والواقع أن الإلكترونات تسري من الطرف السالب إلى الموجب ( في التيار المستمر طبعا!).

2) كيف فسر العلماء اليوم التيار الكهربائي؟ 

قرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تم إنجاز الاكتشافات الأساسية للتركيب الكهربي للذرة.

وفي عام 1871م قاسَ العالم الإنجليزي جوزيف طومسون خواص الشحنة السالبة الأساسية وهي الإلكترون .

كما نجح العالم أرنست رذفورد وهو إنجليزي أيضا، في عام 1911م في تحديد هوية النواة الموجبة المتناهية في الصغر، والتي يدور حولها الإلكترون ليُكوِنا معاً الذرة.

أ⁃ ذرة النحاس

اخترنا (ذرة النحاس) لأنه المعدن الأكثر استخداما في التوصيلات الكهربائية، زيادة عن كونه رخيص الثمن، وجيد التوصيل للكهرباء.

عندنا في الصورة الشكل(4) تمثيل لذرة النحاس حيث نرى الإلكترونات تدور حول النواة تماما كما تدور الكواكب حول الشمس.



الإلكترونات في ذرة النحاس



ب⁃ كيف تعمل هذه المنظومة؟

هذه الاكتشافات المُبهرة غيرت فعلا مجرى حياتنا، فاستطعنا بكبسة زر اشعال وإطفاء الكهرباء من دون أن نتعب كما تعب العلماء.

وإذا نظرنا بتمعن في الشكل(4) نرى أن في المركز  توجد نواة بها +29 من بروتونات؛ وفي المدارات -29 من إلكترونات يعني عدد البروتونات يساوي عدد الإلكترونات؛ حيث فسر العلماء بأن هذا التساوي هو الذي يجعل الذرة متعادلة أو متوازنة، وذلك راجع إلى أن البروتون الموجب يجدب إليه إلكترونا سالبا، وهذا التوازن يمكن اخلاله بواسطة قوة خارجية.

وإذا تمعنا كذلك في ذرة النحاس، نلاحظ أن في مدارها الرابع أي الخارجي يوجد إلكترونا وحيدا ( باللون الأحمر) يسمى إلكترون التكافؤ électron de valence؛ بما أنه بعيد عن النواة فالبروتون لا يستطيع أن يحتفظ بهذا الإلكترون بسبب ضعف قوة الجذب؛ ولهذا يسهل على أي ذرة أخرى أن تحرره من مساره فيطلق عليه أنداك اسم إلكترون طليق أو حر، ويبقى يتنقل من ذرة إلى أخرى بعشوائية وبطريقة غير منتظمة وإن صح التعبير فوضوية! يعني لا يمكننا السيطرة عليه والاستفادة منه، إلا إذا نظمناه في حركة متناسقة.

ج⁃ تأثير القوى الخارجية على ذرات الموصل من النحاس

كما رأينا في الفقرة السابقة أن الإلكترونات تحمل علامة (-)، والبروتونات تحمل علامة (+)، هذا ما يطلق عليه في علم الذرة اسم: شحنة كهربائية charge électrique وهي القوة المرافقة الإلكترون والبروتون، وهي التي تجعل الإلكترون مفيدا في أداء الأعمال الكهربائية والإلكترونية.

إذن يوجد نوعان من الشحنات الكهربائية، ونظرا لأن هذه الشحنات لها ميزات متعاكسة، فقد أطلق عليها أسماء. موجب وسالب.

والقوة التي تُحافظ على إلكترون في مداره، هي نفسها قوة الشحنة السالبة التي يحملها هذا الأخير وقوة الشحنة الموجبة التي يحملها البروتون في النواة؛ لأن الشحنة السالبة في الإلكترون تجذبها الشحنة الموجبة في البروتون؛ وقد أطلق على قوة الجذب هذه اسم القوة الكهرساكنة force électrostatique.

تتأثر الذرات بعدة قوى خارجية مثل الحرارة والضوء والحقول الكهرساكنة والتفاعلات الكيميائية والحقول المغناطسية؛ ويمكن الاخلال بتوازن الذرة بواسطة واحدة أو أكثر من هذه القوى، فتخسر الذرة أحد إلكتروناتها أو تكسب إلكترونا إضافيا؛ وعندما يحدث هذا، فإن عدد الشحنات السالبة لا يوازن تماما عدد الشحنات الموجبة.

في هذه المرحلة نطلق عليها اسم أيون ion؛ فإذا خسرت الذرة إلكترونا يصبح عدد البروتونات أكبر وتصبح الذرة موجبة الشحنة وتكون أيونا موجبا يطلق عليه اسم كَتيون cation؛ أما إذا اكتسب إلكترونا أو أكثر تصبح سالبة الشحنة وتكون أيونا سالبا، ويطلق عليها اسم أَنْيون anion؛ وعلى هذا الأساس يحدث التيار الكهربائي فيمكننا القول: هذه هي أول وِلادة لتيار الكهربائي الحركي!.

تأليف: محمد بلحاج تقني 

المراجع:

⁃أسس الإلكترونيات …. المهندس محمد نذير المتنى.
⁃ Electricité tome1....J.P.Colbeck

 

 

    







  



   
  



      

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سلسلة كيف نَتعلَّم؟ 4 القياسات الكهربائية mesure électrique

  القياسات الكهربائية mesures électriques المقدمة: نعلم أنه عند توصيل قطبي عمود كهربي مثل عمود ( accumulateur )  دانيال ( danielle)، يبدأ ال...