السبت، 19 فبراير 2022

سِلسلة تَعلَّم 1 بداية التبريد


سِلسلة تَعلَّم 1 بداية التبريد

 

بداية التبريد

في هذه السلسلة تَعلَّم 1 وفي السلاسل المقبلة إن شاء الله، سنتعرف على التبريد منذ بدايته الأولى وإلى يومنا هذا؛ حيث تفتح الثلاجة وتشرب منها الماء البارد!.


1) مقتطفات من تاريخ بداية التبريد

التبريد ليس ابتكارا حديثا كما نعتقد اليوم، بل هو قديم من زمن غابر في التاريخ؛ فكما يقول المؤرخ هُوغُو أَبِرْمَايِرْ (1946-1877م) أن العصر الحجري القديم السُفلي (100000 سنة قبل الميلاد) كان الإنسان عندما يصطاد صيداً ما، يضعه داخل كهف واسع يمر بداخله هواء بارد يمكن من خلاله الحفاظ على جودة اللحم فقط ليوم أو يومين على الأكثر.

وحوالي 3000 ق.م كان قدماء الصينيون يصنعون بعض أنواع من البوضة ( مثلجات في ذلك الوقت!) بخلط الحليب والماء والفاكهة ثم بعض من العسل، وفي الأخير يمزجون الثلج -يأتون به من الجبال- مع الخليط ليحافظوا على الذوق الرفيع؛ خصوصا في فصل الصيف عند اشتداد الحرارة.

ويُقال أن أَلكْسندَر المقدوني والنِيرُونْ كانا من عشاق هذه البوظة التاريخية؛ ولذلك يمكننا أن نرى أنه في الوقت المبكر جدا، عرف الإنسان كيفية استخدام هذه الظاهرة الطبيعية لإنتاج البرودة وتخزينها؛ وكما يُقال كذلك أنه في بداية القرن الحادي عشر، جلب سلطان القاهرة الثلج من جبل لبنان وخزّنه من أجل عمل نفس البوظة السابقة الذكر.

وكان الرومان يبعثون بطوائف من العبيد إلى جبال ثلجية فيجمعون قطعا من الثلج، ويُكوِرونَها حتى تصبح كالكعكة، ثم يأتون بهذه الأخيرة ويملأون بها فجوات خارجية من الجدران وبذلك يبرد الجو داخل القصور.

وإلى عهد قريب كان الإيطاليون يحفرون سَراديب متصلة بكهوف واقعة على شاطئ البحر، ويدفعون هواء هذه الكهوف داخل السراديب ومن ثم إلى المنازل بمراوح ضخمة تُدار بالسواعد.

2) أولى المحاولات لإنتاج البرودة

قبل أن يكتشف العلماء أن الثلج الطبيعي يصلح أن يحفظ المواد الغذائية من التلف، ابتدعوا بعض الحيل رغم أنها تبدوا لنا بدائية لكنها فعالة بالنسبة لهم؛ فلتخزين اللحم مثلا، كانت توضع في خزانة جوانبها مصنوعة من سلك، حيث يتم تعليقها بخطاطيف في جهة بحرية ‑ أي الهواء المنعش الذي يأتي من البحر‑ خالصة الهواء الشكل(1)؛ غير أن هذه الطريقة لا تكفل لنا حفظ الأطعمة سوى يوم على الأكثر؛ بينما أن الإنسان يحتاج إلى حفظها أكثر من تلك المدة؛ فللحصول على ذلك توجد وسائل نذكرها إتماما للفائدة.



صورة لخزانة من السلك لتخزين اللحوم


ولحفظ اللحم ثمانية أيام مثلا، يُؤخذ وهو حديث ويُغمر في لبن مُمخَض رائب ويُثقل بشيئ ثقيل حتى لا يطفو ويَعوم على وجه اللبن، ويُترك في جهة معرضة للهواء حتى ينفذ إليها بسهولة؛ ولتبريد المياه مدة فصل الصيف الحار تُملأ قُلَّة مصنوعة من طين وتُلَفّ عليها خرقة نظيفة مُبتلة بالماء وتُعرَّض للشمس؛ فبعد لحظة تُبرد.. وهناك طريقة أخرى نضع دَوْرَقاً به ماء في سطل مملوء برمل مُبلل بالماء، وبه قبضة من ملح مرشوشة فوق سطحه، وبعد ساعة من الزمن يبدأ الدورق بالبرودة شيئا فشيئا.

وفي القرن العاشر وبتحديد في إسبانيا كان بعض العلماء كابن البَاغُوني Tolédan Ibn al-Bagunis ذكر أن الثلج يصلح كوسيط للتبريد « Médium Réfrigérant»؛ ومع دخول القرن الحادي عشر عرفت بعض المدن الإسبانية،كمدريد، وإشبيلية، وطليطلة، ومورسيا، رَواجا هائلا من حيث تجارة الثلج؛ فقد كان التجار يأتون بالثلج من الجبال سْيِيرا نِيفادا أو جبال البِيرينْيه، على متن الدواب، ثم يدفنون هذه الثلوج في آبار بعمق أربعة أمتار، ومُغطاة بسقف معزولة بقش أو تِبن؛ وعَينوا عليها حارسا مُداوما ليحرسها من اللصوص، وكان يطلق عليه اسم الثلجي؛ ومع مرور الوقت أصبحت مدريد تحتوي على ستة مستودعات للثلج والتي تُزوِّد ساكنتها بما يقارب ستمائة طن سنويا.

ومع نهاية القرن الثامن عشر، كان المزارعون الأمريكانيون يقطعون في فصل الشتاء الجليد من الأنهار والبرك، ثم يحفظونه في بيوت ثلجية؛ حتى يتم تحميلها إلى مدينة نيويورك بقطارات مملوءة بآلاف الأطنان من الجليد؛ وفي فرنسا مع منتصف القرن التاسع عشر تم استغلال الجليد الطبيعي، حيث كانوا يأتون به من جبال الأَلْبْ الشاهقة بكمية 25000 طن سنويا، ويتم تخزينها في أحواض حجرية ضخمة، استعداداً ليتم توزيعها بشكل منتظم.


3) التبريد الصناعي

بعد تَوالي السِنون، بدأ الإنسان المدني المتحضر، يبحث عن طريقة فعالة ودائمة لحفظ وتبريد الأطعمة وذلك من باب الاقتصاد؛ خاصة وأن الثلج الطبيعي الذي يوجد في الجبال، يكاد ينعدم  في فصل الشتاء الدافئ، زيادة على كونه باهظ الثمن بسبب صعوبة حمله من الجبال إلى المدن، خاصة أنه كان على شكل قطع كبيرة تُبرِد فقط المستودعات الكبيرة التي توجد قرب الأماكن السكنية الخاصة بالطبقة الغنية، والتي يمكنها تخزين المواد الغذائية في هذه المستودعات، وكذا تستطيع دفع تكاليف عالية مقابل هذه الخدمة.

ولهذا السبب برزت مجموعة من العلماء من مختلف البلدان؛ كفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات الأمريكية المتحدة؛ لتعمل عن تقريب التبريد إلى المواطن البسيط ومتوسط الدخل:


1- في عام 1756م؛ يبتكر الطبيب والكيميائي وزراعي الإسكتلندي وِلْيَامْ كُولِينْ (William Cullen 1710-1790) من جامعة جلِاسْجُو؛ أول جهاز يمكنه من انتاج ثلج صناعي، والذي يعتمد على مبدأ تبخير سائل ثنائي إِيثِيلْ الإيثِيرْ  éther de diéthyléne الذي كان يُستعمل لعملية التخدير الطبي؛ حيث عمل على إدخال هذا الأخير داخل وعاء رقم1 لأسطوانة تفريغ الهواء التي تظهر أسفل الصورة الشكل(2)؛ مع كوب صغيرة مملوءة بالماء.

فلاحظ السيد وِليام بعد أن أفرغ وعاء رقم 1 من الهواء بواسطة إدارة يد التحريك، أن الأثير والماء بدءا يغليان ويتبخران مع ظهور قليل من بلورات الثلج بسبب انخفاض في الضغط؛ وبالتالي يتحول ثنائي الإيثيل الأثير إلى غاز، ويمر إلى وعاء رقم 2، حيث يتكاثف ويتحول من جديد إلى سائل بفعل حرارة المحيط (جو الغرفة، لأن ثنائي إيثيل الأثير يكون سائلا عند درجة حرارة جو الغرفة)؛ وفي نفس الوقت يفقد الحرارة المأخوذة من الماء ومحيط وعاء رقم 1.

ولكن هذه الطريقة لم يهتم أحد بها للاستهلاك التجاري أو المنزلي في ذلك الوقت، لأن بخار الأثير المتطاير يمكن أن يسبب الانفجار إذا ما لمس الهواء. فقط هذه التجربة جذبت الانتباه العلمي وفضول العلماء، لتكون هي أساس بداية التبريد بالنسبة للدورة المقفلة التي نعتمد عليها في كل جهاز التبريد أينما وجد في يومنا الحالي. 


صورة وليام كولين

  2- 1802م؛ تُومَاسْ مُورْ (Thomas More 1760-1822)، هو مهندسا ونجارا ومزارعا، من ولاية ماريلانْد بالولاية المتحدة الأمريكية؛ حيث حصل على براءة الاختراع؛ لكونه صمم أول ثلاجة وهي أول براءة اختراع تصدر في الولاية الأمريكية عن التبريد.

كانت فكرة تُوماسْ تتمركز حول كيفية تقريب الثلج إلى كافة شرائح الشعب المختلفة؛ ويكون على شكل قطع صغيرة رخيصة الثمن؛ توضع في شيء ما لتحفظه من الذوبان؛ لهذا السبب أخذ حوض الاستحمام المصنوع من الخشب، ووضع بداخله صندوق من حديد أو قصدير مملوء ببعض الطعام الذي يفسد ويتعفن بسرعة، كاللحم، والسمك، والدجاج، والحليب... أحاط الصندوق بقطع صغيرة من الثلج؛ حتى امتلأ الحوض عن آخره، ثم غطَّاه بغطاء مصنوع من فراء الأرانب، لكي يُعرقل مدّة ذوبان الثلج الشكل(3).



ثلاجة تُوماس مُور مصنوعة من حوض خشبي


بعد عدَّة أيام،كان الجليد لا يزال موجودا على الرغم من ذوبان بعضه، وكذلك الطعام على حاله طازجا غير ملوث؛ وكانت قطع الثلج تُجدد مرتين في الأسبوع؛ وبعد مرور ثلاث سنوات؛ كان توماس مور يبيع أول صندوق الثلج للتبريد الشكل(4)؛ واستمر استعمال هذا النوع من الثلجات الى حدود الثمانينات القرن العشرين،رغم وجود ثلاجات كهربائية التي كان ثمنها غال جدا؛ ومصطلح (ثلاجة) ابتكره أيضا توماس مور.



خزانة الثلج لتوماس مور


 3- 1805م؛ أُولِيفر إِيفانْزْ (Oliver Evans 1755-1819) الشكل (5) هو مخترع أمريكي وصانع طواحين لطحن الدقيق، وآلات بخارية عالية الضغط؛ وكان أول من وصف الدوران المستمر لمادة التبريد في دورة مغلقة لضغط البخار؛ وعلى الرغم من أن إيفانز صمم الآلة، إلا أنه لم يقم ببناء فكرته أبدا.

أولِيفِر إيفانز (1755-1819م)

  

   4- 1834م جَاكُوبْ بِيرْكِينْزْ  (Jacob Perkins 1766-1849) هو مخترع ومهندس وميكانيكي وعالم فيزيائي أمريكي؛ عمل على تطبيق جهاز التبريد الذي يعتمد على مبدأ صغط البخار في دورة مغلقة الشكل(6)، والذي صممه زميله الأمريكي أوليفر إيفانز سنة 1805م.



جاكوب بيركينز (1766-1849م)

 
 تتألف ثلاجة جاكوب من أربع عناصر رئيسية ( الصورة السفلى من الشكل6)

  • ضاغط يدويّ
  • مُكثف
  • صمام التمدُّد اليدوي
  • مُبخر 

 تعتمد طريقة عملها على مبدأ تحول عنصر التبريد ألا وهو ثنائي إيثيل الإيثر، من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة، ثم من السائلة إلى الغازية، في حركة مستمرة وفي دورة مُقفلة مُتكررة.

مثلا عندما يقوم السيد جاكوب بتحريك يد الضاغط اليدويّ من الأسفل إلى الأعلى في حركة دورية منتظمة، تبدأ مضخة الضاغط بسحب بخار ثنائي إيثيل الأثير من المبخر مرورا عبر أنابيب النحاس، ثم يتم ضغطه ضغطا عاليا وحرارة مرتفعة في اتجاه المكثف، الذي يعمل على تبريده بواسطة الماء، فيتكاثف إثر ذلك ويتحول إلى سائل، ليدخل من جديد إلى المبخر فيبدأ في الغليان جراء الحرارة التي يأخذها من الماء المغمور فيه المبخر، فيتحول سائل ثنائي إيثيل الأثير إلى بخار فيتم سحبه من جديد بواسطة الصاغط؛ وهكذا تتكرر العملية الدورية إلى أن يتحول الماء المحيط بالمبخر إلى ثلج..وفعلا كانت هذه أول بداية التبريد بنسبة لدورة المغلقة حتى يومنا هذا.

ملحوظة: سيتم إن شاء الله تعالى؛ شرح دورة التبريد المغلقة بالتفصيل في الدروس المقبلة.

 تأليف: محمد بلحاج تقني

المراجع:

          Formulaire du froid........Pierre Rapin*

Claude Laurent ......Le froid, auxiliare déterminant de conservation des aliments*

                 

*ويكيبيديا-الموسوعة الحرة

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سلسلة كيف نَتعلَّم؟ 4 القياسات الكهربائية mesure électrique

  القياسات الكهربائية mesures électriques المقدمة: نعلم أنه عند توصيل قطبي عمود كهربي مثل عمود ( accumulateur )  دانيال ( danielle)، يبدأ ال...