كيف تعمل ثلاجة الضاغط الكهربائي ؟
إن أكثر الثلاجات استخداما اليوم هي (المنزلية) التي تعمل بالضاغط الكهربائي؛ عكس ما كانت عليه في الماضي البعيد؛ مُعتمدة بالأساس على حركة الغازات داخل نظام مُغلق يعمل بدورة امتصاص الأمونياك أو ثنائي إثير الأثير؛ في غياب الطاقة الكهربائية المُحركة؛ فقط كانت تُدار إما يدوياً أو بالمحركات البخارية (راجع سلسلة تَعلَّم1و2).
1) مراحل تطوير الثلاجات المنزلية الكهربائية:
قبل أن تدخل المحركات الكهربائية حيز التنفيذ في صناعة آلات التبريد المنزلية؛ كان السيد كَالْ فُونْ ليِنْديِ الألماني (Call Von 1842-1934) الشكل(1)؛ هو أول من أدخل فكرة عمل الضاغط في دورة وسيط التبريد بالأمونياك داخل مواسير نظام التبريد؛ وبنفس العناصر التي يستعملونها في الوقت الحاضر؛ فقط الذي تغير اليوم هو وسيط التبريد وتحريك الضواغط بواسطة الكهرباء؛ (هذا ما سنراه بالتفصيل الدقيق في الدروس المقبلة إن شاء الله تعالى).
كان ليندي، عالما ومهندسا ورجل أعمال ألماني؛ كان له الفضل في عملية فصل الهواء وإسالة الغاز على النطاق الصناعي؛ مما أدى إلى ظهور ثلاجة عملية وموثوق بها، تعمل بالأساس على غاز الأمونياك المُسال وذلك سنة 1877م (شكل 1 الصورة السفلية على اليسار)؛ حيث كانوا يستعملونها لأول مرة كمبردات الخمور في الحانات؛ ويمكن القول أن هذا النمودج كان كبيرا شيئا ما؛ مما شجع بعض المخترعين من ابتكار نماذج أصغر وصالحة للاستعمال المنزلي.
مع بداية القرن العشرين، وبعدما بدأت الكهرباء تجتاح بعضا من بلدان العالم، مثل أوروبا وأمريكا، فكر العلماء بجدية في تقريب التبريد للمنازل؛ فكان أول ظهور لثلاجة كهربائية عام 1913م؛ وذلك على يد السيد فْرِيدْ دَبْلِيو وولْفْ جُنيور الابن (Fred W Woolf 1879-1954) - وهو ابن لفريدريك جي وولف الأب الذي كان من أوائل أنصار ومشجعي نظام التبريد الألماني ليندي - والحاصل على حقوق التصنيع وبيع ماكينات الأمونياك في الولاية المتحدة سنة 1881م.
لم يُتابع فريد جونيور اهتمام أباه بأنظمة التبريد الكبيرة، بل رام إلى البحث في كيفية تطوير دورة التبريد من الكبيرة الضخمة إلى الصغيرة المتوسطة؛ فكانت بدايته الأولى سنة 1900م إذ عمل على تطوير أنظمة التبريد، وفي 1913م استطاع من صناعة أول ثلاجة للاستعمال المنزلي هو وزميله المهندس هَيْدمانْ تحت اسم تجاريّ DOMELRE شكل(2) اختصارا ل: Réfrigérateur électrique domestique.
لكنها لم تكن على الشكل الذي ألفناه اليوم، بل كانت عبارة عن طاولة مُثبت عليها من الأعلى مجموعة: (المحرك الكهربائي .. ضاغط .. المكثف)؛ ويخرج من تحتها مسورة طويلة من النحاس الأصفر ملفوفة حول نفسها (انظر الشكل2)، مُكوِّنة دوائر صغيرة بها أوانٍ تُستعمل لتكوين مُكعبات ثلجية تصلح لحفظ الطعام شكل(3).
وذلك بوضعها - مكعبات الثلج - داخل خزانة معزولة يمكنها من حفظ المواد الغذائية لعدت ساعات؛ كما كان في السابق إذ كانوا يقطعون الثلج من الجبال؛ ويبيعونه للناس بأثمنة باهضة نظرا لصعوبة نقله؛ أو كانوا يصنعونه في معامل ضخمة تنتج أطنانا من مكعبات ثلجية صالحة للاستعمال المنزلي؛ لكنه كان كذلك غالي الثمن بسبب تكلفة صناعته وصعوبة توزيعه.
لهذا فكر علماء فيزياء التبريد في تسهيل وتقريب التبريد لربات البيوت؛ فكانت النتيجة أنهم توصلوا على الأقل للنمودج الذي رأيناه في الشكل (2) و(3)؛ لكن ثمنها كان غال جدا، إذ كان شراء DOMELRE يصل إلى 900 دولار أمريكي؛ وهو متوسط الدخل السنوي لمواطنين أمريكا في تلك الفترة؛ لهذا لم يكن في استطاعة إلا القليل منهم شراء ثلاجة منزلية.
وفي عام 1916م، باع السيد وولف حقوقه لشركة ( Packard Motors Car Company)؛ فطوروا وابتكروا نموذجا جديدا تحت اسم (ISKO)؛ كان على شكل خزانة مصنوعة من خشب الأرز غالي التكلفة؛ بينه فراغ محشوٌ بمادة عازلة تُسمى (فلين) Liège، يُعتبر من أرقى وأغلى أنواع العوازل الحرارية الموجودة في الطبيعة؛ أما أبوابها فكانت حوافها تُغلف بصفائح الألمنيوم لتبدو في صورة جذابة، وفي نفس الوقت تمنحها القوة والمتانة عند تعرضها للصدمات؛ والأهم من هذا كله أن أنابيب التبريد معلقة هذه المرة من داخل الخزانة لتمنح المواد الغذائية البرودة الكافية؛ وانخفض ثمن هذه الثلاجة تقريبا إلى النصف في حدود 385 دولار أمريكي شكل (4).
وفي نفس الفترة التي تخلى فيها السيد وولف عن شركته؛ ظهرت شركة أخرى هي في الأساس مختصة في صناعة السيارات مركتها مشهورة عالميا: الشيفروليه Chevrolet؛ لكنها أسست فرعا آخر مختص في صناعة الثلاجات تحت اسم: Kelvinator؛ (بالمناسبة هذه المركة كانت مشهورة في السبعينيات وثمانينيات القرن العشرين لان المنافسة كانت قليلة .. ومازالت تصنع حتى يومنا هذا .. وإن كانت غير مشهورة في بعض البلدان..!).
كان تصميمها في المنزل بطريقة مختلفة عن سابقاتها؛ إذ يتم تركيب مجموعة (الضاغط .. المحرك الكهربائي)، تحت الأرضية المنزل يعني بالقبو لتفادي ضجيج المحرك، وتُربط المجموعة مع بقية عناصر التبريد، بأنابيب من نحاس - كما هو اليوم بالضبط في بعض المحلات التجارية الكبيرة أو السُوبرمارْكِيتْ - شكل(5).
2) الأجزاء الرئيسية في DOMERLE
إن المجموعة التي تُكوِّن المحرك الكهربائي، والضاغط، كانت منفصلة عن بعضها البعض، فقط تجمعهم آلية التدوير تُسمى: حزام (Courroie)؛ ويتم تبريد غاز مركب التبريد الساخن الذي يمر بالمكثف، إما بتكبير حجم المكثف وجعله ملفوفاً على شكل حوض من أنابيب نحاسية، ليتم تبريده بواسطة الهواء الطبيعي العادي (لم تكن قد ابتكرت بعد فكرة استعمال مروحة كهربائية في عملية تبريد المكثف..!)؛ أو يُبرد بدورة ماء التبريد الذي يمر بطريقة معاكسة عبر أنابيب ملتصقة بمواسير المكثف الشكل(7).
2-أ) الضاغط - المحرك الكهربائي:
وبما أننا هنا نتكلم عن سنة 1916م؛ كان من الصعب صناعة ضواغط صغيرة الحجم مثل اليوم؛ نظرا لكون الصناعة في ذلك الزمان كانت تعتمد بالاساس على نماذج ضخمة لم تكن قد طورت بعد؛ ولهذا السبب صمموها على قالب كبير.
لكن ظهرت مشكلة مفادها أن هذا الضاغط ذا الحجم الكبير، يحتاج إلى محرك كهربائي قوي جدا لكي يستطيع تدويره؛ لهذا استعملوا محرك ذي أربعة أحصنة وهو يحتاج إلى تيار قوي ما بين 4 أمبير إلى 6 أمبير عند اشتغاله على حمولة قصوى، وهذا التيار يُعتبر كبيرا جدا خاصة لم تكن محطات توليد الكهرباء في تلك الفترة قادرة على تزويد الساكنة بتيارات قوية نظرا لقلتها؛ فكانت تحدث في بعد الأحيان مشكلة ارتفاع حرارة جسم المحرك الكهربائي بسبب الانخفاض المفاجئ في تيار السحب؛ لهذا زرعوا في قلب الملف المحرك ما يُعرف باسم ترموستات ثنائي المعدن Thermostat Bimétallique لقطع الكهرباء التي تغذي المحرك عند ارتفاع حرارته حتى لا يُتلف.
2-ب) ترموستات التحكم في درجة البرودة (Thermostat)
تُعتبر من أهم الأجزاء التي تدخل ضمن آليات التحكم في تنظيم عملية التبريد، إذ تعمل على فصل التيار الكهربائي عن المحرك ثلاجة DOMLERE، عند وصول درجة الحرارة إلى نقطة التبريد التي نختارها يدوا بواسطةزر الضبط الشكل(8).
وقبل أن يخترع علماء التبريد الترموستات أو حتى محركات التبريد؛ قاموا بإجراء بعض التجارب على صناديق الثلج المعزولة التي تُملأُ بالثلج الطبيعي (راجع سلسلة تعلم1)، لكي يحددوا وبالتدقيق المدى الذي يمكن أن تصل إليه درجة البرودة، لكي يتمكنوا من صناعة ضواغط وترموستات مناسبة لتحقيق ذلك.
ففي شهر غشت من سنة 1915م وعند درجة حرارة الجوّ ℃32 (تسمى 32 درجة سيلسيوس Celsius)؛ قام فريق من المكتب الأمريكي للمعايير، بسلسلة من اختبارات في قوانين منظومة التبريد المنزلي، وذلك بقياس أدنى نقطة درجة برودة، ونقطة أعلى درجة السخونة ل 9 ثلاجات (صنادق الثلج) عامة الناس:
- أدنى نقطة برودة: من ℃6.7 إلى ℃14
- أعلى نقطة سخونة: من ℃17.7 إلى ℃22.2
2-ج) غاز مركب التبريد (الذي استعملوه في تلك الفترة)
في أول الأمر كانوا يستعملون غاز الأمونياك كوسيط التبريد؛ لكنه يحتاج إلى أنابيب من فولاذ صلب غالي الثمن ومانع للتآكل؛ والمعروف أن الأمونياك يأكل أنواعا معينة من المعادن، وخصوصا النحاس يستعملونه بكثرة في صناعة دوائر التبريد لكونه رخيص الثمن نسبيا مقارنة مع الفولاذ؛ ولهذا السبب فكروا في استبدال غاز أمونياك بغاز آخر اسمه: ثاني أوكسيد الكبريت Dioxyde De Soufre رمزه الكيميائي: SO2. لا لون له ذو رائحة كبريتية خانقة والأهم لا يأكل معدن النحاس..!.
تأليف: محمد بلحاج تقني
المراجع:
Formulaire Du Froid........................P.Rapin,Paris-
-كتاب الكيمياء لمرحلة الثقافية العامة الجزء النظري 1953م...المرحوم أحمد أمين إبراهيم.
La Réfrigération: Electrique-Automatique. Par; Pierre DEGOIX..Paris 1942-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق