أمبير ampère
1) البداية الأولى
مع ظهور الكهرباء المُتحركة أو ما يسمى عِلميا ب: (ديناميكا الكهرباء électrodynamique)؛ بدأ هوس العلماء يتحرك بجنون نحو معرفة خفايا هذا العالم الغامض؛ وبالتحديد سنة 1820م برز من بين هؤلاء العلماء، عالم فيزيائي وكيميائي دنيماركي (Danemark) السيد هانز كريستيان أورستد (Hans Christian Oersted01777-1851 ) الشكل(1)، يُعتبر الأب الروحي لما يُعرف باسم الكهرومغناطيسية (électromagnétisme) أو التأثير المغناطيسي للتيار الكهربائي.
كان أورستد أستاذاً للطبيعة في جامعة العاصمة كوبنهاجن (Copenhague) الدانيماركية؛ وقد كَشف في سنة 1820م عن العلاقة بين التيار الكهربائي والمغنطِيسة، وكان اكتشافه أساسا لسلسلة من التطبيقات العلمية التي منها التلغراف والتليفون؛ حيث قام بتجربة بينت أن مجالا مغناطيسيا يتولد حول سلك ما، يُمكنه أن يُؤثر في البوصلة إذا ما مُرر في هذا السلك تياراً كهربائياً.
وتَتلخص تجربة أورستيد في أنه أتى بجهاز كالمبين في الشكل(2)، يتركب من قاعدة خشبية ذات قائمين من الخشب أيضا؛ قد شُد بينهما سلكان (أ،ب) و(ج،د) متوازيين، وفي وضع أفقي، وبينهما إبرة مُمغنطة تدور في مستوى أفقي على سِن مُدببة رأسية، ويتصل طرفَا كل سلك بمسماري الاتصال (خطاطيف crochets)؛ بحيث يمكن أن يمرَّ التيار في أحد السلكيين؛ وإذا مرَّ في السلك (أ،ب)كانت الإبرة تحته؛ إذا مرَّ في السلك (ج،د) كانت الإبرة فوقه.
1-أ) طريقة الاستعمال mode d'emploi
طريقة استعمال جهاز أورستيد سهلة للغاية، إذ عمل على ضبط الجهاز، بحيث تكون الإبرة موازية للسلكين (أب) و(ج د)؛ وبذلك يكون السلكان والإبرة في اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي (Le champ magnétique terrestre) أنظر الشكل(2)؛ حيث يرمز الحرف (ش) إلى شمال اتجاه إبرة البوصلة، والحرف (ج) يرمز إلى جنوبها؛ ومن ثم يوصل الخُطاف (أ) بالقطب السالب لبطارية فولتا (pile volta) الشهير (لمزيد من المعلومات راجع الجزء من سلسلة: أنت والعلم2)، والخطاف (ب) بالقطب الموجب لها؛ فيَسري تيار كهربي في السلك في الاتجاه (ب أ)، فيلاحظ أن الإبرة تدور في الاتجاه المبين بالسهم، (جهة الغربية) لشكل (3).
إذا عُكس اتجاه التيار بحيث مَرَّ في اتجاه (أب) فإن الإبرة تنحرف، ولكن في اتجاه مضاد للاتجاه الأول (الجهة الشرقية)، أي أن اتجاه انحراف الإبرة يتوقف على اتجاه التيار الشكل (4)؛ ولو جعلنا التيار يمر في القضيب (ج د)، فإننا نجد أن الإبرة تنحرف في نفس اتجاه شكل (3) اتجاه (غرب)؛ ولكن إذا عكس اتجاه التيار بحيث مر في اتجاه (د ج) فإن الإبرة تنحرف في الاتجاه المضاد؛ أما إذا قطعنا عن الموصل سريان التيار، عادت إبرة البوصلة إلى طبيعتها الأولى كما في الشكل(2).
وبهذا يكون أورستيد أول من اكتشف أن التيار الكهربائي المار في سلك موصل ينشئ مجالا مغناطيسيا حوله؛ ويُمكن القول أن هذا هو أول سُلم إلى ما يُسمى ب: الكهرومغناطيسية (électromagnétisme)؛ وكانت تجربة أورستيد قد تُرجمت في نفس العام إلى اللغة الفرنسية، واشتهرت بين أوساط الفيزيائيين في أوربا؛ وفي يوم 11 من شهر سبتمبر من نفس السنة 1820م؛ أعيدت تجربة أورستيد من جديد بأكاديمية باريس للعلوم بفرنسا على يد سيد فرنسي .. فمن هو هذا الرجل ..؟.
2) اندريه ماري أمبير (1836-1775 André - Marie Ampère)
أو ما يسمى برجل الكهرباء؛ وهو فيزيائي ورياضي عمل في أوائل عام 1800م في باريس بفرنسا، ولقد استعمل مهارته في الرياضيات والإحصاء لملاحظة وقياس الحوادث الطبيعية المكتشفة من قبل علماء أوربيين آخرين؛ لقد استمر في عمله حتى حصل على البرهان الكامل للعلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية؛ كما طور طريقة جديدة لتصنيف العناصر كيميائيا.
2-أ) نشأته ودراسته:
- في عام 1775م، وفي العشرين من كانون الثاني (يناير)، ولد في بلدة بالقرب من مدينة ليون (Lyon-paris) بفرنسا؛ ومنذ صغره درس علوم الدين وفي نفس الوقت أخذ يطالع في كتب ذات مواضيع مختلفة ليتمكَّن من تثقيف نفسه.
- في عام 1787م وفي الثانية عشرة من عمره درس وأتقن وفهم جميع المعارف الرياضية المتوفرة لديه؛ وفي عام 1799م تزوج أمبير وعمل مُعلما للرياضيات في مدينة ليون.
- وفي عام 1801م انتقل إلى (بورجنبرس) ثم إلى باريس، حيث أصبح في السادسة والعشرين من عمره أستاذا للفيزياء والكيمياء في (لِيكولْ سِنْترالْ) école centrale؛ أتم أمبير دراسته الرياضية ثم قام بدراسات حول نظرية الاحتمالات.
- وفي عام 1802م نشر (آراءه حول النظرية الرياصية للغازات).
- وفي عام 1808م عينه نابليون مفتشا عاما للنظام الجامعي المُشكل وقتئذ؛ ثم أصبح أستاذا للرياضيات في (لِيكولْ بوليتكنيك) ecole polytechnique في باريس.
- وفي عام 1827م نشر (ملاحظات حول النظرية الرياضية لظاهرة الديناميكا الكهربائية المستنتجة بشكل كلي من التجارب)؛ والتي تحوي برهانا كاملا لنظرية القائلة بأن المغناطيس هو الكهرباء في وضع متحرك؛ وهذا هو أساس الكهرومغناطيسية الحديثة المعروفة في وقتنا هذا بالإلكترودينامية؛ ومن أعماله في مجال البحوث العلمية صنع أمبير آلة لقياس جريان الكهرباء؛ وسُميت فيما بعد بالمقياس الجلفاني (جلفانومتر galvanomètre) .
- وفي عام 1836م وفي العاشر من حزيران (يونيه) توفي عن عمر ناهز الحادية والستين في مدينة مرسيليا الفرنسية.
- وفي عام 1848م سُميت وحدة التيار الكهربائي (A) نسبة إليه.
2-ب) تجاربه:
بعد ما سمِع صاحبنا بتجارب أورستيد ودرسها، قرر أن يستكمل مسيرة البحث حول التيار الكهربي والمغناطيسية؛ لكن .. ! في هذه المرة أراد أن يبين أن التيار الكهربائي مار في سلك موصل يمكنه أن يُؤثر بحركة ميكانيكية على تيار كهربائي آخر؛ فابتكر بعض الأجهزة اإظهار هذه الظاهرة.
كان جهازه عبارة عن قاعدة خشبية مستطيلة مثبت عليها قضبان من نحاس أصفر؛ أحدهما ثابت والآخر مُتحرك؛ فيمكن أن نعتبر هذا الجهاز بمثابة (جهاز قياس)، يُظهر تأثير التيار الكهربائي المتحرك، على تيار كهربائي متحرك آخر؛ فيمكن إذن بكل سهولة أن نُطلق عليه اسم جهاز: (لإلكترودينامومتر) الشكل (5).
قبل أن نكشف عن ماهيته، يجب البحث في بعض تفاصيله المهمة أنطلاقا من الشكل (5 و6).
الشكل(6) يتكوَّن من طاولة خشبية (P)، مثبت عليها أربع حوامل نحاسية (M.N.K.L)؛ الحاملين الأولين (M.N)، مثبت بينهما قضيب من نحاس عند النقطتين (A.B)؛ أما عند الحاملين (K.L) فلوضع يختلف كليا، إذ نلاحظ أن القضيب (K) طويل ومنعطف جهة النقطة (X)، وكذا حال القضيب (L) مع النقطة (Y)، وبين النقطتين (X.Y) قضيب من زجاج (G) يعمل كعازل وحامل في نفس الوقت.
لكن السؤال الذي يُلفت انتباهنا هو كيف يتحرك الجزء الذي على شكل إطار (C.D.X.Y) ؟.
بتكبيرنا للجزء الذي مثلا بالنقطة (X)؛ نُحصل على التوضيح الذي بالشكل (7).
بتتبعنا للشك، نلاحظه يتكون من ثلاث عناصر أساسية:
- دلو صغير معدني موصل (un petite seau conducteur en métal).
- سِنٌّ معدنية موصلة (dent en métal conducteur).
- مادة الزئبق (mercure).
هذه المجموعة الثلاثة مجتمعة معا لتعمل مثل مزلاج الباب، بمعنى أن الاطار (C.D.X.Y) الذي بالشكل (6) هو في الأصل الإطار مستقل يُمكن نزعه أو لصقه بسهولة وسلاسة، لهذا عندما نعلقه على الدلوين الصغيرين المعدنيين، يُمكن أن يتحرك بحرية أمامًا وخلفاً، بدون أن يفقد الاتصال الكهربائي بين الطرفين (X.Y)؛ وهنا يأتي دور الزئبق ليضمن استمرار عملية الاتصال؛ لأن المعروف عَمليَّا، أن الزئبق موصل كهربائي جيِّد؛ لهذا وضعه في قاع الدلوين ليضمن استمرار اتصال التيار من الدلو إلى سِنّ الحادة، حتى ولو انزلقت هذه الأخيرة داخل الدلو أو تزعزعت عن مكانها تبقى ملتصقة ومغموسة بالزئبق حتى لا ينقطع الاتصال الكهربائي.
2-ج) طريقة تشغيل جهاز إلكترودينامومتر:
هي الآن تبدو لنا سهلة، لكنها في الربع الأول من القرن التاسع عشر للملاد، كانت كسبق علميٍّ .. !؛ نحتاج عند تشغيلها فقط إلى عمود فولتا ، وبعض الأسلاك الموصلة.
-التجربة الأولى (اتبع الشكل 6):
نربط النقطة (A) مع إحدى نهايات العمود، ثم النقطة (B) مع النقطة (C)، ونقطة (D) نربطها مع النهاية الأخرى للعمود، ونكون بهذا قد قفلنا الدارة؛ وبتتبعنا لمسار الاصطلاحي للتيار الكهربائي الذي بالشكل، نلاحظه يَمرُّ في نفس منحى كلتا القضيبين (AB وCD )؛ وبالتالي يحدث تجاذب بينهما؛ يعني القضيب الثابت (AB) يجر إليه القضيب المتأرجح (CD).
-التجربة الثانية (الشكل 8):
إن التجربة الثانية لا تختلف عن الأولى من حيث المكونات، فالتي تغيرت هي بعض أماكن ربط نقط الاتصال، بحيث (B) ارتبطت مع (D)، و(C) مع إحدى نهايات العمود فولتا، أما (A) فبقيت في مكانها الأول بالعمود.
بتتبعنا كالعادة لمسار التيار وانطلاقا من العمود، نلاحظه يدخل من النقطة (C) ثم (D) ف (B) إلى (A)، ويرجع ثانية إلى الجهة الأخرى من العمود، ليشكل دارة مغلقة؛ لكن في هذه المرة المنحى مختلف بين القضيبين (AB) و(CD)، منحى مُعاكس يُحدث تنافراً بينهما (الشكل 8).
لكن السؤال الذي ربما كان مطروحاً من البداية، من الذي كان يُحرك هذا الإلكترودينامومتر.
هذا ما سنعرفه إن شاء الله تعالى، في سلسلة الرابعة القادمة من (كيف نَتعلَّم ؟ ).
تأليف: محمد بلحاج - تقني.
المراجع:
Mémoire Sur l'électromagnétisme Et l'électrodynamique Par André-Marie Ampère 1921-Paris
-(الطَّبيعة) لمرحلة الثقافية ..المغنطيسة والكهربية ..عبد المنعم السيد عشري رحمه الله أستاذ الطبيعة سنة 1952م
Fisica Razonada ..Mir pena ..Granada españa 1934
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق